الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية يا حمادي الجبالي وأيّها الصقور استمعوا للحمائم!

نشر في  17 ديسمبر 2014  (10:17)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

منذ أيّام أعلن السيد حمادي الجبالي انسلاخه عن حركة النهضة ودعا إلى التصويت لفائدة «مرشّح الثورة» أي للمنصف المرزوقي.. وهذا من حقه..ولكن بهذا الموقف شوّه الجبالي صورة السياسي المعتدل نسبيّا التي خلّفها في الأذهان بعد استقالته من رئاسة الحكومة ليتصالح مع معدنه الحقيقي،  فقد كان منذ نحو 25 سنة من أكثر الصقور تشدّدا ولا فائدة من الرّجوع إلى تلك الفترة عندما وقعت محاولة تفجير نزل أو حرق حارس مقر لجنة التنسيق أو القيام بعملية انقلاب..
وفي المقابل لابدّ من التوقف عند بعض مواقف الجبالي والتي أعلن من خلالها عزمه على إقامة الخلافة السادسة أو على الانطلاق في عملية تحرير فلسطين من مدينة سوسة! ثمّ أمضى على وثائق اداريّة سمحت لحزبه بالتحكّم في مفاصل الإدارة واركاع وزارتي العدل والداخلية التي كان يشرف عليها علي العريض وتسليم البغدادي المحمودي للحكومة الليبية المتشدّدة.. ثم حاول أن يكون مرشّح النهضة في الانتخابات الرئاسيّة لكنّه لم يفلح في اقناع مجلس الشورى وأخذ نصيبا من الرّاحة،  ثمّ عندما لاحظ أنّ حزبه رشح ـ فعليا ـ المرزوقي  أعلن انسلاخه عن النهضة ودعا الى التصويت لساكن قرطاج وذلك لإدخال البلبلة داخل قيادة النهضة مشيرا الى امكانية تكوين تحالف أو قطب سياسي يجمع كل المتشدّدين الذين جعلوا من القضاء على الدساترة والمشتبه في انتمائهم للنظام السابق شغلهم الشّاغل، فضلا عن مغانم «الكرسي»..

أما الصادق شورو والحبيب اللوز ومنصف بن سالم وكل المتشدّدين فقد أكّدوا مساندتهم للمرزوقي مثبتين من جديد أنّهم يرفضون الحلول السياسيّة  والتشاور مع «نداء تونس» أو الجبهة وهم بذلك ـ ومثل الجبالي والشعيبي ـ قد يكونون يعدّون الظروف التي قد تشعل نيران الفتنة والحرب الأهلية..  هم لا يدركون انه لا يمكن لأيّة حكومة أن تتجاهل الجبهة الشعبية أو النداء أو اتحاد الشغل أو مطالب المجتمع المدني وخاصّة مواقف نساء تونس الحرائر..
ولقد برهن المتشدّدون ـ بمن في ذلك الجبالي ـ انّهم يجهلون معدن الشعب التونسي وتطلّعات نخبه ومثقّفيه وشبابه ونسائه، وأحسن دليل على ذلك هو الفشل الذّريع الذي منوا به في تصريف شؤون البلاد في عهد الترويكا، فقد تفشّى آنذاك الارهاب والعنف وانعدم الاستقرار وتفاقمت المديونيّة ومعها تهديد الديمقراطيين كما التهبت الأسعار وطغت ظاهرة «الأقربون أولى بالتشغيل» وانهارت هيبة الدولة وتدخّلت الحكومة والرئاسة في شؤون مصر والجزائر وحتى  المغرب مع مساندة الحركات العنيفة أو الارهابية بليبيا! واليوم يؤكد صقور النهضة ومن ضمنهم الصقر «الجديد ـ القديم» حمادي الجبالي الذي نحترمه كإنسان ونختلف معه تماما في مواقفه السياسيّة انهم سينظّمون صفوفهم لمحاربة وسطية المجتمع التونسي، فهم يتحدّثون عن أهداف الثورة بينما لم نلاحظ في الماضي اي انحياز لأحلامها ولا لشبابها، بل انّ تونس عرفت واحدا من أحلك عهودها جراء قلّة درايتهم بالسياسة وتقديم مصالح حزبهم على مصالح البلاد واستئثارهم بالمغانم!
في المقابل هناك السيد راشد الغنوشي الذي لئن كنت لا أشاطره أفكاره فإنّى أعتبره سياسيّا بارعا جنّب حزبه وتونس أزمات عديدة لأنه على اطلاع على التوازنات السياسية الدّاخلية وتأثير الغرب والجزائر..

لقد حرص على تجنّب الاصطدام وساعدته في ذلك ثلة من الكهول والشبّان على غرار ديلو والعذاري وزيتون والوريمي ومورو وغيرهم ممّن يدركون انّ تونس بحاجة إلى التهدئة وبأنّ التصادم مع الأحزاب الوسطية قد تكون له تداعيات خطيرة على أمن البلاد واستقرارها وعلى النهضة أيضا.. فليعلم الشبان المتطرّفون داخل الحركة وشيوخها المتشدّدون انه لا مستقبل سياسي لهم لأنّ العنف وتقسيم التونسيين غاية لا تدرك في هذه الرّبوع وسيزول هذا التيار حتما بفضل وسطية شعبنا والانتخابات الحرّة وسهر الجيش والأمن الجمهوري على حماية تونس وحرصهم على صيانة مكتسباتها.
وليعلم الصّقور أن مساندتهم للمرزوقي ستضعف حزب النهضة في  كلّ الانتخابات المقبلة لأنّ عددا من النهضويين المتشدّدين الذين ساندوا المرزوقي سيصوّتون لفائدة الراديكاليين ـ على غرار ساكن قرطاج ـ وربما سينتمون الى أحزاب أكثر تشدّدا من النهضة وعداء للوسطية التونسية وانتصاب المشانق السياسية وكلهم من دعاة العنف، وقد صرّح أحدهم (وهو ليس من قيادات النهضة) «لو ينجح الباجي في الرئاسة سآخذ «كلاشينكوف»وسأذهب للشعانبي!».. وحتى ان هذا الكلام من قبيل المزاح، فهو يترجم عقلية عدائيّة ترفض التعايش والحقّ في الاختلاف!

وأنا على يقين من انّ صقور النهضة سيضرّون بأنفسهم وبتونس لسببين اثنين: أولهما انهم يخشون المحاكمات بحكم مسؤولياتهم الوزارية السابقة وأيضا بالنظر الى عقيدتهم الجامدة والخطيرة التي تدعو الى قطع ايدي المتظاهرين وتعنيف الإعلاميين والتكامل بين الرجل والمرأة وتكوين اجيال جديدة تمجّد بن لادن والعنف والحروب الأهلية الدموية، وهنا يطرح  سؤال هامّ: هل سيشركون الصقور في الاضطرابات المنتظرة في حالة فوز الباجي قايد السبسي؟ وهل سيستغلّ البعض منهم علاقته بالخلايا العنيفة لتأجيج النيران في الشارع وتسهيل عبور الارهابيين نحو بلادنا إذا اصبح قايد السبسي رئيسا؟..
إنّي واثق بأنّه من مصلحة الصقور الاستماع لحمائم النهضة لأنّ الشعب التونسي وجيشها وأمنها سيكونون بالمرصاد لدعاة العنف حتى وان دام أشهرا..
انّ أولى أولويات النهضة  ـ حسب اعتقادي ـ هي مغادرة حركة الاخوان الدولية المتشدّدة ورفع علم تونس دون سواه والاهتمام بأبرز المسائل مثل الأخلاق وتربية ناشئة متفتحة، والنموّ الاقتصادي والدّفاع عن الحريات والمفكّرين والمبدعين والبحث العلمي والتشبّع بمقتضيات الحداثة.
وأعتقد انّ تونس بحاجة الى أيمّة معتدلين وفي الوقت نفسه إلى علماء ومهندسين وفنّانين ومفكّرين ومخترعين وأطر عليا متشبّثة بالحداثة وإلا سيكون مصيرنا مصير الهنود الحمر...